كان حلم الإنسان و لا يزال أن يحيى حياة أبدية و أن يعثر على ما يجعله خالداً و معمراً لأطول فترة ممكنة. لهذا فقد حاول العديد من العلماء و من خلال تجارب مخبرية كثيرة أن يطيلوا عمر الخلايا سواء من خلال تجارب على خلايا حيوانية أو القيام بهذه التجارب على خلايا بشرية. لكنهم لاحظوا أنهم كلما حاولوا إطالة عمر مجموعة من خلايا الإنسان، فإن هذه الخلايا إما أن تموت او أنها تتحول إلى خلايا سرطانية قاتلة. و قد توصل العلماء إلى استنتاج مهم و هو أن الله سبحانه و تعالى قد خلق في الشريط الوراثي DNA مورثات خاصة تشرف على نظام عمل الخلية وتطورها وانقسامها ومن ثم موتها. يقول تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 1-2].
فالموت إذاً مخلوق مثله مثل الحياة و هو لا يقل في أهميته عن الحياة. ويؤكد العلماء أن الموت يُخلق في داخل النطفة، ويتطور داخل كل خلية ليشكل صمام أمان يتحكم بحياة الخلايا ذلك أن الخلايا في وقت معين تتوقف عن التكاثر و تموت فيما يسميه العلماء (الموت المبرمج للخلايا). لنتأمل قول الله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الواقعة: 58-61].
و هنا نلاحظ كيف أن الله تعالى لم يقل (نحن أنزلنا الموت) بل قال: (قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) في ربط قرآني إعجازي بين نطفة الإنسان و الحديث عن الموت الذي قدره الله و التقدير في اللغة: هو أن يبلغ الشيء مبلغه أو قدره، أي أن الله تبارك وتعالى وضع نظاماً مبرمجاً و مقدراً وموَزَّعاً بدقة فائقة لعملية الموت.
و يتحدث العلماء عن الأفعال التنكسية في الخلايا التي تنموا و تكبر و تبدأ بالضعف بعدما يتجاوز الإنسان سن الأربعين أوالخمسين من عمره. هذه العملية لا يمكن أن يتم إيقافها أبداً لأن ذلك يعني موت الخلية أيضاً. لذا قال تعالى في محكم كتابه الحكيم: (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) [يس: 68].
و قد حاول بعض العلماء و في عملية يائسة إطالة عمر الخلية لكنها ما لبثت أن تحولت إلى خلية سرطانية وانفجرت. لذا فقد أقر العلماء و أيقنوا بأن الموت هو النهاية الطبيعية للمخلوقات، ألم يقل عز من قائل: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ) [النساء: 78].
و قد حدثنا الرسول الأعظم محمد (ص) في مواطن عدة عن الموت و ظاهرته لكن اللافت أنه (ص) كان قد ذكر في حديثه عن علامات الساعة ما يلي: (إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة) و يقول العلماء أنه ظهرت حديثاً ما بات يعرف علمياً بمصطلح Sudden Death أي الموت الفجأة و نلاحظ هنا التشابه الكبير بين كلامه (ص) و كلام العلماء. سبحانه و تعالى إذ يقول: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].